افتتاحية بمناسبة يوم حقوق الإنسان، 10 كانون الأول/ديسمبر

 

1) قد يكون من السهل، في عالم اليوم المجزّأ، الاعتقاد بأن أمم العالم غير قادرة على الاتفاق على شيء يمكن تبنيه من قبل جميع الثقافات كجزء لا يتجزأ من مجتمعاتها. غير أن اليوم الدولي لحقوق الإنسان، الذي يتمّ الاحتفال به في 10 كانون الأول/ديسمبر، يذكرنا بأنه لم يمرّ وقت طويل منذ أن تضافرت جهود العالم وأنجزت هذا الأمر بالضبط. ففي 10 كانون الأول/ديسمبر 1948، اعتمدت الأمم المتحدة بالإجماع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو جملة من الحقوق التي يحقّ لجميع الأفراد التمتع بها. وتشمل هذه الحقوق ألا يتعرض أحد للتعذيب والمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، كما تشمل حرية الدين أو المعتقد وحريات التعبير والحق في تكوين الجمعيات والتجمع السلمي وتشكيل النقابات والانضمام إليها. بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يمكن لكلّ إنسان في العالم المطالبة بهذه الحقوق كحق مكتسب، بغض النظر عن جنسيته أو انتمائه.

 

2) لم يأت اختيار كلمة “عالمي” في عنوان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان اعتباطيا، بل كان مؤشرا على أن الإعلان جاء نتاجًا لتوافق الآراء بين شريحة واسعة من تقاليد الحقوق الدولية. وبينما نحن فخورون بأن إليانور روزفلت السيدة الأمريكية الأولى سابقا في الولايات المتحدة هي التي ترأسّت لجنة الصياغة، حاملة معها المبادئ الواردة في إعلان استقلالنا بأن جميع الأشخاص “قد منحهم خالقهم حقوقًا معينة غير قابلة للتصرف”، فقد مثّل القائمون على صياغة النصوص خلفيات قومية وثقافية وتقاليد فكرية مختلفة. على سبيل المثال، كان رينيه كاسين يهوديا من إقليم الباسك في فرنسا وحصل لاحقًا على جائزة نوبل للسلام عن عمله في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. بالمقابل، كان شارل مالك مسيحيًا مارونيًا من لبنان، وقد فرّ من النازيين في الثلاثينيات، بينما جلب الصيني بنغ تشون تشانغ نفوذا كونفوشيوسيا قويا إلى اللجنة.

 

3) وُلد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من مأساة الحرب العالمية الثانية، التي أظهرت أن الحكومات التي لا تراعي حقوق مواطنيها لن تمتنع عن إغراق العالم في صراعات رهيبة من أجل أهدافها الملتوية. وقد أدرك مؤسسو الأمم المتحدة أنه لا يمكن تحقيق السلام إلا عندما تُحترم حقوق الإنسان، وعزموا على إنشاء إطار مشترك يمكن لجميع الدول أن تتبناه، هو عبارة عن مجموعة من الحقوق العالمية التي تعترف بأولوية كرامة الإنسان الفردية.

 

4) ولكن للأسف، يمكن لأي شخص يقرأ الأخبار اليوم أن يرى أن حقوق الإنسان والحريات الأساسية المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لا يتمّ احترامها من قبل جميع الأمم، بل إن بعضا من أسوأ منتهكي حقوق الإنسان اليوم هم من بين الموقعين على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذين كانوا أعلنوا التزامهم بالدفاع عن تلك الحقوق.

 

5) وضعت الحكومة الصينية أكثر من مليون من الإيغور وأعضاء الأقليات المسلمة الأخرى في معسكرات الاعتقال في منطقة شينجيانغ في الصين منذ نيسان/أبريل 2017. وبينما تدّعي الحكومة أن الغرض من المخيمات هو التعليم، تدحض التقارير التي ترد حول أعمال السخرة والتعذيب وغير ذلك من الظروف اللاإنسانية في المخيمات تلك الادّعاءات. وحتى أولئك الذين يعيشون خارج المخيمات يتعرضون للحرمان من أي مظهر من مظاهر الاختيار الفردي والحرية بفضل نظام مراقبة دائم الوجود يحصي أنفاسهم في سجن في الهواء الطلق.

 

6) وفي فنزويلا، نهَب مادورو واحدة من أغنى الأمم على وجه الأرض، فتسبّب بذلك في نزوح ما يقرب من 20 في المائة من السكان. ولا يزال القمع الوحشي لحقوق الإنسان مستمرّا حتى يومنا هذا، وهو موثّق بتقارير يمكن الركون إليها عن أعمال القتل خارج نطاق القانون والتعذيب وقمع حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات. كان ردّ فعل مادورو على المعارضة السياسية هو تهديد زعماء المعارضة واستهدافهم بالعنف من خلال الوسائل القانونية وغير القانونية. وبإساءته استخدام السلطة وعدم كفاءته، يحرم الفنزويليين من حصولهم على الاحتياجات الأساسية لمجتمع فعال. عندما خرج الفنزويليون إلى الشوارع للاحتجاج على سوء حكمه، قمع مادورو المتظاهرين بوحشية وعطّل الإنترنت لعرقلة قدرتهم على التعبير عن مظالمهم.

 

7) وفي إيران، يعطي المرشد الأعلى غير المنتخب في النظام الإيراني الأولوية لتشجيع الفوضى الإقليمية على حساب تحسين حياة الشعب الإيراني. وقد تعرض سائقو الشاحنات والمعلمون الذين كانت جريمتهم الوحيدة مطالبتهم بالحصول على رواتبهم للاعتقال والتعذيب، وفق بعض التقارير. ولا يزال تاريخ النظام الطويل من التمييز الشديد ضدّ المرأة قائما وبإصرار، حيث حُكم على نساء بالسجن لمدة تصل إلى 23 عامًا لعدم ارتداء الحجاب في الأماكن العامة.

 

8) تدرج منظمة ميموريال الروسية لحقوق الإنسان الآن 315 سجيناً سياسياً في روسيا، مقارنة بـ 195 سجيناً في العام الماضي، وتفيد التقارير بأن 200 منهم قد سُجنوا لممارستهم حريتهم في الدين أو المعتقد. وتقيّد الحكومة بشكل متزايد حرية التعبير وحرية الإنترنت، بينما يواجه المجتمع المدني والصحافة المستقلة مضايقات مستمرة وتشويه في الشخصية وتهديدات وعنف. وفي جمهورية الشيشان الروسية، ورد أن التعذيب وحالات الاختفاء القسري والقتل الجماعي خارج نطاق القضاء تتمّ مع حصانة للمرتكبين وإفلات كامل من العقاب.

 

9) منذ اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948، تحقّقت إنجازات غير عادية لحرية الإنسان، ما يجعل تراجع هذه الدول أكثر إثارة للدهشة. وكأمثلة على هذه الإنجازات، نذكر الكفاح ضدّ الفصل العنصري في جنوب إفريقيا في سبعينيات القرن الماضي ومراحل السلام والمصالحة في الثمانينيات والتسعينيات وحركة التضامن البولندية، حيث طالب العمال الحكومة باحترام حقهم في العيش والعمل دون خوف من القمع والانتقام، إضافة إلى قصص فردية لا حصر لها عن أشخاص يدافعون عن حقوقهم، من مجموعة من نساء السكان الأصليين اللواتي أجبرن على ممارسة العبودية الجنسية في غواتيمالا، وكان لديهن ما يكفي من الشجاعة لإخبار قصصهن في المحكمة، إلى ملالا يوسف زاي، التي نجت من إطلاق النار عليها وهي بعمر الخامسة عشرة من قبل مسلحي طالبان في باكستان لمجرد التحاقها بالمدرسة، وقد تابعت نضالها لتصبح صوتا حازمًا وملهمًا للمساواة رغم إصابتها والتهديدات المستمرة لها.

 

10) لقد وجدت المجموعة المتنوعة التي عملت على وضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان غرضًا مشتركًا في الحقوق العالمية التي حددوها، مدركين أن على دول العالم واجبا بعضها تجاه بعض: الدفاع عن كرامة الإنسان وحماية حقوق الإنسان التي يستحقها كل شخص. ولكن ليست الحكومات فقط هي من يتحمّل هذا الواجب، فالحكومات في النهاية تتكون من أفراد. لذلك فلكلّ شخص دور يلعبه في حماية حقوق الإنسان والدفاع عنها.

 

11) كيف يمكننا أن نفعل هذا؟ يمكننا جميعًا تثقيف أنفسنا حول حقوق الإنسان، والتعرف على الحقوق المكفولة بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتحديات حقوق الإنسان الحالية في جميع أنحاء العالم. يمكننا جميعًا الوقوف ضد الإساءة والانضمام إلى الدعوة للمساءلة، وجذب الانتباه إلى الدول التي تنتهك حقوق الإنسان وحثها على الوفاء بالتزاماتها باحترام حقوق الإنسان. كما يمكننا حثّ حكوماتنا على التحدّث بصوت عال عندما تقع الانتهاكات في أماكن أخرى من العالم. ويمكننا أن نطالب الدول بدعم مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

 

12) أستطيع أن أؤكد لكم أن الولايات المتحدة وشعبها ما زالا ملتزمين بحقوق الإنسان، ونحن نقف في الخطوط الأمامية، ونطالب دوما بأن يتمتّع كلّ شخص في جميع أنحاء العالم بحقوقه بنفس الطريقة التي يفخر بها الأمريكيون لدرجة أننا قادرون على القيام بها كل يوم.

 

13) وختاما أكرّر أن هذه الحريات هي حقوق مشتركة لجميع الأشخاص، كما أعلن مجتمع الأمم في 10 كانون الأول/ديسمبر 1948.